الدليل التـاسع عشر :- خديعـة الديموقراطيـة
في الدول الديموقراطية فإن 51% من الأصوات هو الذي يقرر القانون والحقيقة والقيمة .
عدد الأصابع المرفوعة هو المرجعية النهائية إنها ديموقراطية بلا مرجعية فلسفية أو أخلاقية أو معرفية وقد ضرب أحد المفكرين مثلا على ديموقراطية عد الأصابع بإحدى مباريات كرة القدم : إذا أحرز الفريق الضيف أهدافا أكثر من اعضاء فريق البلد المضيف فهل من حق أغلبية المتفرجين أن يقرروا ما إذا كان الفريق المضيف هو الفائز أم لا ؟ والاجابة بطبيعة الحال بالنفي فإذا كان الامر كذلك بالنسبة لأهداف في مباراة كرة قدم فهل يصح تطبيق هذا المنطق على شيء هام للغاية مثل القيم الانسانية العليا وقوانين الأمة ..!!
والديموقراطية تدور في إطار النسبية الكاملة وترتبط بعدد الاصابع الموافقة للقرار المُتخذ حيث يتم تمرير مشروع أي قانون بفرق صوت واحد وهذا جائز ديموقراطيا بغض النظر عن القيمـة والغايـة ..
والديموقراطية الأُمية كما يسميها عالم الاجتماع اولريش بيكر Ulrich Becker هي التي تسببت في اندلاع حربين عالميتين وغرق الارض بالربا وتُجار البشر الجدد ولم تعد حقوق الانسان تحظى باحترام فقانون الارهاب في الغرب "Patriot Act"
والحد من نزوح المهاجرين ورفض الاجانب كلها قرارات ديموقراطية سليمة ..
والحزب النازي وصل إلى الحكم بطريقة ديموقراطية وكل قرارات الإبادة التي قام بها الحزب تمت بطريقة ديموقراطية عقلانية رشيدة ..!!
و المشروع الامبريالي الغربي قامت به حكومات تم انتخابها بطرق ديموقراطية سليمة وعمليات السخرة والابادة كانت تخطى بالموافقة فهي مسموح بها ديموقراطيا هل علينا ان نقبل بهذه القرارات بما أنها نابعة من إرادة الشعب أم نرفض هذه القرارات الديموقراطية استنادا الى مرجعيات اخلاقية متجاوزة ؟؟
المصدر: العلمانية الجزئية العلمانية الشاملة د. عبد الوهاب المسيري دار الشروق طبعة 2002 المجلد الثاني ص100
العلمانية الغربية الآن بها ما يسمى احتراف التأييد واحتراف المعارضة فلا يصح للمعارضة ان تؤيد قرار الحزب المُخالف بل هي معارضة على الدوام أفيُراد تمثيل هذه اللعبة في بلادنـا ليقال عنا ديموقراطيين ومتحررين.
كان هيجل يعارض الانتخابات المباشرة ويرى أنها لا تفي بالغرض .. ففي الدول الرأسمالية تتبرجز البروليتاريا أي يتم شراء أصواتها بالمال كما يقول لينين ...
المصدر: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ..فلاديمير لينين ص53
ولا ننسى ان مجلس الشيوخ الامريكي أغلبه مليونيرات رأسماليين .. لقد صارت الانتخابات مجرد اقتراع شعبي يدور حول موضوعات تافهة ويرتهن بمن يتابع التليفزيون بشكل أفضل وصارت الانتخابات مجرد استبدال مجموعة من المحتالين بمجموعة أخرى من المحتالين وأصبح الناس يذهبون إلى صناديق الاقتراع للتصويت عرقيا ليكفلوا لمجموعتهم أن تفوز بغض النظر عن حُجة هذا أو ذاك وبات المرء يُصوت من أجل مصالحه الذاتية
ويرى نعوم تشومسكي أن الديموقراطية الغربية هي ديموقراطية بالونية كاذبة فلا أحد يعرف إلا ما يرغب الليبراليون الكبـار أن نعرفه ... والسكان سيرضون بقرار قادتهم ذوي البصيرة فنموذج الديموقراطية الذي يرتضيه الشعب يساوي باختصار نموذج السيطرة الشمولية .
المصدر: نعوم تشومسكي ... الايديولوجية والسلطة .. ص121
ولذا يقول نعوم تشومسكي لقد عارضنا بثبات الديموقراطية حيث لم يكن بالامكان السيطرة على نتائجها
الدليل العشـرون - خديعة أن العلمانية والليبرالية تُطور نفسها
عندمـا يزداد الجدل بشـأن العلمانية والليبرالية يكون مخرج الليبراليون العرب أن العلمانية والليبرالية تُطـور نفسهـا وتصحح من أخـطـائهـا وهذا فخ كبير ....
العلمانية لا تطور مفاهيمها خارج الإطار العلماني المادي وإلا لما صارت علمانية
وهذه هي المعادلة العلمانية :- العلمانية تجعل مركزها هو العالم ... المادة ... المصلحة ... العقل
لذا فأي تطـور في مفهوم العلمانية لن يُخرجهـا خارج إطار العالم .. المادة .. المصلحة .. العقل
وإذا اعترفت العلمانية بمفهوم خارج إطار المادة وإذا آمنت العلمانية بمفردات غير مادية أو قيم ميتافيزيقية فساعتها لن تتسق مع نفسهـا ولن يصير اسمها علمانية ...
إذن أي تطور في العلمانية سيكون في إطـار مُغلق مادي وفي النهـاية سيصب في نفس الأهداف.
وقد كان المدفع الذي حمله نابليون بونابرت في حملته الفرنسية على مصر أول منتج علماني يراه الشرق .. والبواخر الغربية التي مخرت عرض النيل لأول مرة حملت المدافع لا الخبز .. هل حدث تطور في النموذج العلماني بعد 200 سنة من الحملة الفرنسية ؟
نعم حدث تطور فالمدفع اُستبدل بقاذفات الألغـام والبارود اُستبدل بأسلحة مُغطـاة باليورانيوم المُنضب الذي تحتاج أرض العراق إلى مليون عـام للتخلص منه والبواخر اُستبدلت بحاملات طائرات عملاقة
فالهيمنة الغربية هي هيمنة داروينية نيتشوية فاوستية مادية في بدايتها وفي نهايتهـا وهي تحـاول أن تجعل من العالم مادة استهلاكية وغايتها تحقيق اقصى اشباع ممكن .
والمادة هي المركز الكامن في النموذج العلماني وهي أصل الأشيـاء ولذا فقد تمت تصفية الإنسـان لحسـاب المادة ولحساب المصلحة ولذا ظهر الانسان ذو البعد الواحد عند هربرت ماركوز وهو شيء أنيق الملبس يستهلك كل ما يُطلب منه أن يستهلكه .. أحلامه وطموحاته وأزياءه كلها مُدجنة ومُصممة مسبقا فهو شخص تم تدجينه تماما في المنظومة العلمانية يرتدي التي شيرت ويشرب الكوكاكولا ويأكل الهامبورجر ويعيش في مساكن مجهزة مسبقا ويفتح عقله لكم هائل من الاعلانات ذات الطابع الاستهلاكي اللاغائي ويتلقف آخر الاخبار والفضائح عن نجوم الفن والرياضة ويُنفذ كل ما يُطلب منه بانتظام ... هذا الانسان مع الوقت يفقد قدرته على التجاوز وعلى النقد وهنا يظهر غياب الحرية في اطار ديموقراطي سلس معقول وقد اختصر رئيس التشيك فاكيلاف هافل كل ذلك في عبارته الرائعة حين قال :- ( حينما أعلنت العلمانية الإنسانية أنها حاكم العالم الأعلى، في هذه اللحظة نفسها، بدأ العالم يفقد بُعده الإنساني .)
المصدر: العلمانية الجزئية العلمانية الشاملة د. عبد الوهاب المسيري دار الشروق طبعة 2002 المجلد الأول ص34
وكتب ت. س .إليوت روايته الشهيرة الأرض الخراب مُتنبئا بموت الانسان في النموذج العلماني الليبرالي وظهور النمط المادي المُدجن ذو الأبعاد الثلاثة .. وكتب يقول:- ( إن لم تتخذ لنفسك إلها فلابد أن تُقدم احترامك لهتلر أو ستالين .)
ولذا ظهرت في الغرب مصطلحات مثل unsecularization of the world أي الرجوع عن العلمانية وقال جورج ويجل :- ( نزع العلمانية عن العالم هو مطلب أواخر القرن العشرين .)
الدليل الحادي والعشرون :- الدولة المدنية أخطر بكثير من الدولة العلمانية
الدولة المدنية أخطر بكثير من الدولة العلمانية فقد كان المجتمع السوفيتي يوصف بأنه المجتمع العلماني الملحد وكان فجـا وراديكاليا تماما في إلحاده وفي تلك الفترة ظهر المجتمع الأمريكي المدني ذو المرجعية الدينيـة الذي ينادي بثقافة السوق والحرية الفكرية وحدثت المفاجـأة فقد كان منحنى إنهيار الأخلاق في المجتمع الامريكي أسرع بكثير جدا من نظيره السوفيتي بل وتحولت أمريكا الى مجتمع مدج بكامله قبل ان تحقق العلمانية السوفيتيه الإلحاد الكامل .
وكذلك المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع مدني ذو مرجعية دينية ومع هذا صار أكثر المجتمعات اباحية على وجه الارض .. كما يقول امنون روبنشتاين في كتابه العودة للحلم الصهيوني :- ( إسرائيل أصبحت من أكثر المجتمعات انحلالا في العالم ولا يوجد اي نوع من الانحرافات الجنسية إلا ويمارس فيها .)
والتمدن في اللغة هو الهجرة من القرية الى المدينة وتسارع إيقاع الحياة وهنا تتفكك الاسرة وتنتشر ثقافة السوق وتُهمش القيم والثوابت الدينية ويتم التنازل عن الكثير من المسلمات في مقابل العيش المشترك وتصبح القيمة نسبية بل ويصبح الايمان نفسه نسبيا وفي النهاية ينهار الانسان وينشـأ كائن جديد حيوان اجتماعي يتم تدجينه وقولبته داخل إطار الدولة المدنية .
ففي الدولة المدنية تتحول العقائد الدينية إلى مجرد أشباح من الماضي كما يقول فوكوياما:- ( الدولة المدنية المستقرة تتطلب ثقافة ديموقراطية وتتطلب مجتمعا مدنيا يترك خلفه التقاليد السابقة على المدنية ويمكن ان تعتمد على اشباح المعتقدات الدينية الميته . )
المصدر: نهـاية التاريخ وخاتم البشر ... فرانسيس فوكوياما .... ترجمة : حسين أحمد أمين الطبعة الأولى 1993 مركز الأهرام للترجمة والنشر ص290
وفي الدولة المدنية تظهر متتالية المدنية والتي تتحقق بانتظام في كل الدول التي طبقتها ففي البداية يتم اعتبار الدين مرجعية الدولة المدنية ثم تبدأ المدنية تتخذ مرجعيات أخرى ثم تصير الدولة مرجعية نفسها ثم تبدأ في محاربة الدين وتعتبر الدين عبء على الدولة المدنية وهذا ما يحدث الآن في الدول التي بدأت مدنية كما هو الحال مع منقبات فرنسا ومحجبات تركيا وأساتذة الجامعات المؤمنون بنظرية التصميم الذكي في أمريكا .
الدليل الثـاني والعشرون :- مشكلة القيمة في النموذج الليبرالي العلماني
لنا أن نتسائل هل الطبيعة قادرة على تزويدنا بقيم أخلاقية ... معظم العلمانيون يتحدثون عن العلمانية ولا يتحدثون عن المجتمعات التي طبقت العلمانية ولا يتحدثون عن الجانب الاجتماعي للعلمانية فالعلماني يتحدث عن انتاج المصانع وحجم الثروات ولا حديث عن الثقافات المنحطة والقيم السافلة وانتشار العنف والجريمة وأمركة العالم بالقوة .
وبينما يتدخل العِلم عنوة ببياناته عن وفرة السلع ومعدلات الإنتاج بالجملة وعن الطاقة والأبحاث المُبشرة بينما تشير الفنون بإنكسار وحسرة إلى الضياع الإنساني والبؤس الفكري والأخلاقي والخواء النفسي المُخيف ( 50% من الأطفال في الغرب أبنـاء غير شرعيون - ثلث أطفال روسيا من اللقطاء - الشذوذ الجنسي لم يعد ظاهرة بل صـار أحد أنواع الزواج الرسمية - نسبة الإنتحـار أعلى نسبة يسجلها التاريخ.) ولا غرابة فإننـا نعيش في أول حضارة ليبرالية .
يقول العلماني الأمريكي الشهير إرفنج كريستول irving kristol :- ( العلمانية دين أقوى من اليهودية والنصرانية ولذا انتصرت العلمانية على اليهودية والنصرانية فالعلمانية رؤية دينية متكاملة وذات مقولات ميتافيزيقية .)
يقول نيتشه على لسان زرادشت عن الانسان الذي سيأتي في نهاية التاريخ العلماني :- ( واقعيون نحن بغير إيمان ولا خرافة فابسطوا صدوركم لكن واأسفاه انها صدور خاوية .)
ويبكي ت.س. اليوت قائلا :- ( أين ضاعت الحكمة التي ضيعناها في المعرفة .. أين ضاعت المعرفة التي ضيعناها في المعلومات .. ) لقد ضاعت القيمة ومـات الإنسـان .
المصدر: العلمانية الجزئية العلمانية الشاملة د. عبد الوهاب المسيري دار الشروق طبعة 2002 المجلد الأول ص112
ولا تعرف العلمانية التاريخ أو الموروث الثقافي ولا تقبل بالقيم لأن العلمانية من اسمها تعني الزمانية فهي مرتبطة بالآن وحالا ولا تعرف غير ذلك فالعلمانية هي نسيان نشط للتاريخ والزمان ومستعدة أن تُنسي الإنسان تاريخه بعد ان أنسته مركزيته في الكون .
يقول فرانسيس فوكوياما بالحرف أنه داخل الدولة الليبرالية سيصبح الناس حيوانات من جديد كما كانوا قبل المعركة الدامية التي بدأ بها التاريخ فالانسان سيبقى حيا كالحيوانات منسجما مع الطبيعة ويظهر العلماني الكامل ويختفي الانسان بمعناه الشائع ... ففي الليبرالية يموت الإنسان ويظهر الحيوان الاقتصادي بدلا منه ..
المصدر: نهـاية التاريخ وخاتم البشر ... فرانسيس فوكوياما .... ترجمة : حسين أحمد أمين الطبعة الأولى 1993 مركز الأهرام للترجمة والنشر ص271
وكما يقول جون لوك :- ( إذا كان كُل أمل الإنسان قاصرا على هذا العالم وإذا كنا نستمتع بالحيـاة هنا في هذه الدنيـا فحسب فليس غريبا ولا مجافيـا للمنطق أن نبحث عن السعادة ولو على حساب الآباء والأبنـاء ) وكما يقول رئيس شركة فيات الاسبق أمبرتو أجنيلليUmberto Agnelli أنه عندما تنتصر الليبرالية الرأسمالية ينتصر الانكفاء على الذات .
بينما الإنسان داخل المنظومة الدينية ربما ينتابه الشك ربما يرتكب أفعال مأساوية ولكن مع هذا تظل له مرجعيته الإنسانية ويدور في إطار منظومة قيمية ومعرفية أما العلماني فهو شخص أجوف مثل الذرات المتناثرة لا يحمل دراما الوجود الانساني يخضع لحتميات مادية صارمة وفي النهاية يتفكك ذلك الإنسان وتنهار الأسرة وتظهر مشكلة الأخلاق وتتحول العلاقات التراحمية إلى علاقات تعاقدية .
فصلاح أمر العائلات لا يكمن في المباديء الليبرالية كما يعترف فوكوياما ..ونجاح تربية الاولاد ونجاح المؤسسة الزوجية يتطلب تضحيات مدى الحياة وهي تضحيات لا عقلانية بحسابات الربح والخسارة والكثير من مشاكل العائلات الامريكية ( التفكك الاسري – هروب الاباء – ارتفاع نسب الطلاق ) سببه نظرة أفراد العائلة الى العائلة نظرة ليبرالية إذ حين تصبح الالتزامات العائلية أكبر مما ينتظره المتعاقد فانه يسعى الى إبطال شروط العقد ويهرب الزوج فالليبرالية جعلت الرجل يفشل أن يكون أبا وقد أثبتت الليبرالية أن الأب الهارب من بيته يزيد دخله بمعدل 73% ولذا ف25% من الاسر الشرعية في امريكا تركها الآباء وهربوا فقد صار الاطفال في الدول الليبرالية سلعة اقتصادية باهظة ومصدر تكلفة والآباء لم يعودوا يريدون اطفالا ..
المصدر: مستقبل الرأسمالية .. ليستر ثورو ..ترجمة د.السيد عطا .. الهيئة المصرية العامة للكتاب 2005 ص51
الدليل الثـالث والعشرون :- ظهور فلسفة القوة في الغرب نابع من الليبرالية ..!!
في دائرة المعارف البريطانية طبعة 1910م وتحت مادة تعذيب كتبت دائرة المعارف تقول :- ( التعذيب لم تعد له إلا أهمية تاريخية بالنسبة للقارة الأوربية .) ونشر الصحفي نورمان أنجيل كتاب الوهم الكبير يقول فيه أن:- ( التجارة الحرة والليبرالية الرأسمالية قضت على فكرة الحروب والتوسع .. والحرب أصبحت أمر غير مقبول في منطق الاقتصاد .)
ولم تمض إلا بضعة أعوام وشهدت القارة الأوربية أعظم حربين في تاريخ البشرية وشهدت تعذيبا لم يسبق له مثيل راح ضحيته قرابة مائة مليون أوربي وفقد الناس الثقة في العالم البرجوازي كله الذي خلق مثل هذه القيم .. واعتبر العالم أن هذه إبادة ما كانت لتتحقق لولا الحداثة ذاتها .
فالعلمانية زودت الإمبريالية الغربية بإطار نظري لإبادة الملايين بإسم العرقية المادية والبيولوجية الداروينية فظهرت اليد الخفية عن آدم سميث – المنفعة عن بنتام – وسائل الانتاج عند ماركس – الجنس عند فرويد – إرادة القوة عند نيتشه – قانون البقاء عند داروين – الطفرة الحيوية عند برجسون – الروح المطلقة عند هيجل – روح العصر – عبء الرجل الأبيض - العبء الحضاري .
فالعلمانية حررت الغرب من أية أعباء أخلاقية وفي المقابل زودته بإطار نظري لإبادة الملايين .
العلمانية الجزئية العلمانية الشاملة د. عبد الوهاب المسيري دار الشروق طبعة 2002 المجلد الأول ص240
وأولى تجارب العلمانية الغربية خارج إطار الغرب كان الإستعمار وآخرها كان سرقة البترول من العراق وأفغانستان .
وتاريخ الولايات المتحدة هو في الأساس تاريخ القضاء على الهنود الحمر وتفريغ قارتين كاملتين من المواطنين الأصليين ... والمقاومة المسلحة للهنود لم تنته إلا بذبح زعيمهم ووندد ني wounded knee في عام 1890 ......... ومنذ عام 1784 إلى عام 1850 استولت الولايات المتحدة على 900 مليون فدان وكانت تبيع للمستوطنين الجدد الفدان مقابل دولار واحد وفي عام 1862 أصدر الكونجرس قانون هومستيد الذي أعطى 160 فدان خالية لأي مستوطن .
أمريكا طليعة الإنحطاط ..روجيه جارودي ..ترجمة:- عمرو زهيري ..دار الشروق الطبعة الأولى 1999 ص59
فالحرية المنتصرة والحضارة التي تعبر الصحراء وعبء الرجل الأبيض وكل هذه الصور الكاذبة التي تصورها الدعاية الأمريكية لتفريغ قارتين كاملتين من سكانهما كانت في الحقيقة هي أن الآف الجنود الأمريكان يطاردون في البرد القارص السكان الاصليين الرُحل الذين كانوا يخطون آخر خطواتهم نحو الانقراض إنه مشهد لن ينساه التاريخ وهو مشهد لم توفره الا الليبرالية الغربية .
وقد اعتبر الليبرالي الشهير جون كوينسي آدمز أن حرب البيض ضد الهنود الحمر قانون الطبيعة ولهذا القانون تطبيقاته الواسعة جدا .واعتبر ودرو ويلسون أن :- ( تدمير الأمم أمر بديهي ومقبول طالما كان ذلك في مصلحة الرأسمالية والليبرالية العالمية .)
فاستئصال طبقة كاملة من الناس هذا الاستئصال ما كان ليحدث لولا الحداثة فقد اعتبر الليبراليون الاوائل أن ابادة الهنود الحمر نوع من الدفاع الشرعي وكأن الهنود هم الذين يغزون أوربا وقد تقلص عدد الهنود الحمر من 10 مليون الى 200 الف نسمة خلال سنوات قليلة ولذا يقول سيمون بوليفار محرر أمريكا اللاتينية يقول :- ( يبدو ان الولايات المتحدة تسعى لتعذيب وتقييد القارة بإسم الحرية )
المصدر: ناعوم تشومسكي الايديولوجية والاقتصاد ص6
والحربان العالميتان اللتان أبادتا حوالي 5% من سكان العالم كانتا نزاع أوربي- أوربي ... وإبادة ملايين السكـان في أوربا... يهود أوربا .. مزارعي روسيا ( الكولاج ) ..غجر ألمانيا ... السلاف والأقليات الأثنية ..هذه الإبادة الشمولية لم توفرها سوى الليبراليـة الغربيـة .
واليوم تُصر أوربا على إدخال العالم في ملحمة ثقافية أخرى هي الايمان بالليبرالية والديموقراطية والرأسمالية الغربية
وقد زودت الديموقراطيات الليبرالية الحديثة الحروب الشمولية بقنابل ذرية تبيد بلادا بأكملها في لحظات وطائرات تنسف مدنـا بأكملها في دقائق فصارت حروب مجانين ... والفاشية من اختراع الحداثة ذاتها والنازية ظهرت في دولة علمانية راقيـة ..!!
وقد اعتبرت أمريكا في عام 1937 أن الفاشية الايطالية متوافقة مع المصالح الامريكية فالفاشية تتوافق مع المفهوم الامريكي للديموقراطية واعتبر روزفلت أن موسوليني جنتلمان ايطالي لطيف ومهذب وكل الحركات الاستعمارية التي نفذتها ايطاليا كانت تلقى تأييدا من أمريكا .
وأمريكا قِبلة الرأسماليين وتاج الليببرالية هي المستفيد الأكبر من حروب العالم ولم تدخل أمريكا الحرب العالمية الثانية إلا بعد أن حصلت على نصف ثروة العالم من بيع الأسلحة ولم تدخل الحرب إلا بعد ان فقدت المانيا 400000 جندي في معركة ستالينجراد وكانت المقاومة في كل أوربا تستنزف المانيا التي كانت في طريق النهاية وكان هتلر في ذلك الوقت قد وضع 198 فرقة من فرقه البالغ عددها 315 على الجبهة الروسية و38 فرقة في ايطاليا و64 فرقة من النرويج الى فرنسا وكلها كانت تُستنزف .. فما فعلته أمريكا في ظل انهيار آلة الحرب الالمانية كان مجرد قصف عشوائي على المدنيين أسفر عن نصف مليون قتيل ومليون جريح وانتهت الحرب .. وبينما كانت روسيا نفسها تعتبر أن المدن ليست اهدافا عسكرية الا أن امريكا قصفت مدينة درسدن الألمانية فقتلت مئات الالاف من المدنيين في ليلة واحدة (300.000 ألف مدني ألماني أغلبهم نسـاء وأطفـال ) .. وفي نهار واحد قصفت القنابل الذرية مدنا كاملة في اليابان برغم أن اليابان كانت في طريقها الى مفاوضات السلام وكانت الحرب منتهية نظريا .
المصدر: الحرب المجهولة بول ماري دي لاجورس ص 532
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية صدرت المذكرة السياسية من مجلس الأمن القومي برقم NSC 68 والمحررة من قبل بول نيتز والتي ورد فيهـا :- نحن نملك حوالي 50% من ثروة العالم غير اننا نمثل 6% من سكان العالم علينا ان نتوقف عن الحديث عن حب الغير وحقوق الانسان علينا ان نركز على أنفسنا وليس بعيدا اليوم الذي سيكون علينا فيه استخدام القوة .. وبالفعل لم تمض سنوات قليلة إلا وقد اعلنت امريكا الحرب على كوريا وفيتنام وهما تبعدان عن حدود أمريكا بآلاف الكيلو مترات واعتبرت امريكا الحرب دفاع شرعي .. وفي حروب الاصوليات الاسلامية أبادت امريكا مئات الآلاف من المسلمين وفي حرب الخليج الثانية حسب رواية الصليب الأحمر فإن قذف العراق أسفر عن أكثر من 200 ألف قتيل من السكان المدنيين وقُتل نصف مليون طفل أثناء الحصار بسبب نقص الطعام ونقص الرعاية وتم إمطار العراق وقت الحرب بما يوازي حجم المتفجرات التي أُلقيت على هيروشيما ثماني مرات ويحتاج العراق إلى مليون عام حتى يتخلص من آثار اليورانيوم المُنضب المُستخدم في الحرب .. وقد لاحظت جريدة الواشنطون بوست أنه في حرب الخليج الثانيـة هناك شيء ما غير مطمئن تماما في المساعي الامريكية فبوش يتعامل مع دول الشرق الاوسط على الطريقة الاستعمارية ..
المصدر: واشنطن بوست 13 اغسطس 1990
فالامبريالية والحروب كانتا دائما نتاج المجتمعات الارستوقراطية الديموقراطية الليبرالية ...وأشد الحروب ضراوة لم تظهر إلا بعد ظهور الديموقراطية اللليبرالية في الغرب
إن التاريخ الأسود لصراع الليبراليين في الغرب في قرن واحد شيء مروع وهذه بعض المذابح التي جرت بينهم :-
U.S.S.R.: 20 million deaths
China: 65 million deaths
Vietnam: 1 million deaths
North Korea: 2 million deaths
Cambodia: 2 million deaths
Eastern Europe: 1 million deaths
Latin America: 150,000 deaths
Africa: 1.7 million deaths
Afghanistan: 1.5 million deaths
The international Communist movement and Communist parties not in power: about 10,000 deaths
The total approaches 100 million people killed.
Source: Stéphane Courtois, Nicolas Werth, Jean-Louis Panné, Andrzej Paczkowski, Karel Bartosek, Jean-Louis Margolin, The Black Book of Communism, Harvard University Press, 1999, p. 4
http://www.harunyahya.com/disasters04.phpوبعد مرور 500 عام من الاستعمار و50 عام من صندوق النقد الدولي نعيش في عالم مُحطم مُشوه ربع شبابه عاطلين عن العمل يتحكم الشمال في 80% من الثروات مع أن تعداد سكانه لا يتجاوز 20% من سكان العالم.. و منذ الغزو العلماني لكوكب الأرض أصبحت نهاية التاريخ أمر مقبول حرفيا .. وتراكم لدى البشر أسلحة تكفي لتدمير الأرض عشرين مرة مع أن مرة واحدة فقط هي التي ستحدث ..لقد أدت الليبراليـة إلى نهـاية الحيـاة نظريـا .!!
الدليـل الرابع والعشـرون :- القوميـة أحد إفرازات العلمانيون العرب .لا تظهر القوميـة إلا كمحـاولة خبيثـة لإبعـاد النـاس عن الدين ولذا يقول المستشـار طارق البشـري :- ( فمن يريد أن يؤكد على مصرية مصر وينفي عروبتها وإسلاميتها ما عليه إلا أن يجمع وقائع التاريخ التي حدثت في مصر ويُلم بكل ما قيل عن مصر ويقيم منه بناءا منفصلا عن غيره من الاحداث المحيطة ومع كثير من التأويل ستبدو الصورة مقبـولة ولا يهم إذا كان أهل مصر راضون بانتمائهم لأمة الاسلام ) فالمهم هو تمرير القوميـة على السُذج من النـاس ..!!
المصدر: الحوار الإسلامي العلماني ..المستشار طارق البشري .. الطبعة الأولى 1996 ..دار الشروق ص47ويؤكد صامويل هنتنجتون أن الدول القومية قد اختفت من العالم فالقومية هي شكل غير عقلاني من الاشكال التي تطالب الغير بالإعتراف بقيمة أمة من الأمم ومن أجل القوميـة أُبيدت دول بأكملها .
والقوميـة نبات شيطـاني تهدف لتقويض المشـروع الديني يقول أرنست جلنر:- ( إن القومية ليست لها جذور عميقة جدا في النفس البشرية وقومية عبد الناصر انتهت بنهايته .) ولا تظهر القوميـات إلا في لحظـات الضعف الديني والإنهيـار القيمي .
وأقوى القوميات في العالم هي مصدر أشنع الحروب .. ولا ننسى القومية النازية في المانيا والقومية الفاشية في ايطاليا ..وانهارت الامبراطورية العثمانية تحت وطأة القومية التي دعا لها أتاتورك .
والقومية تعمل على تصفية الداخل من الأغيار وإبادة الأثنيـات والجيوب العرقيـة كما فعلت تركيا بقيـادة العلماني أتاتورك مع الأرمن وكمـا فعلت ألمانيـا مع اليهود والغجر والسلاف .
والقومية كانت مسئولة عن الحرب العالمية الثانية ..وكانت الحرب العالمية الاولى سببها رصاصة احد القوميين الصرب عندما اغتال ولي عهد الامبراطوية النمساوية .
والقومية مسئولة عن عمليات الإبادة الجماعية في إقليم البلقان حيث كانت صربيا تدعو لصربيا الكبرى والكروات يريدون كرواتيا الكبرى .
فالقوميـة تعمل على تفتيت الدول وانقسامها كما حدث مع باكستان وبنجلاديش في شرق آسيـا ومع التشيك وسلوفاكيا في جنوب أوربـا ويحدث حاليـا مع اسكتلندا وويلز في غرب اوربا .... والكيوبيك الفرنسية في قلب كندا ...وايطاليا الشمالية مقابل الجنوبية ... والبريتونيون والكورسيكيون ....والكتلان والباسك في اسبانيا .
وعندمـا يظهر قوميون علمـانيـون في أي دولة عربية فإنهم بداهـة يريدون تصفيـة الديـن لحسـاب أفكـار ونعرات تفتيتيـة منحـازة